مقال: الثائرات/الثائرون الجنسيات/الجنسيون في مصر يتصدّين/يتصدون للاستبداد الداخلي
English version of Egypt’s Sexual Revolutionaries Tackling the Tyranny Within
هذا المقال بتكليف من "الحجج الأفريقية" ونُشِر في الوقت ذاته على موقعهم كجزء من السلسلة الخاصة "النشاطية الراديكالية في أفريقيا" والتي تحررها الناشطة ستيلا نيانزي بصفتها محررة ضيفة.
في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، بعد أيام فحسب من احتفاء مصر بالذكرى العاشرة لثورة 2011، توفيت فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا جنوب القاهرة أثناء خضوعها لعملية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث)، وبعدها بشهرين اقتحم ثلاثة رجال شقة جارتهم مسلحين بالعصي والسلاسل لاشتباههم في إقامتها علاقة خارج إطار الزواج وعذبوها إلى حد دفعها إلى إلقاء نفسها من شرفتها لتموت على إثر ذلك.
وبعد عقد من خروج الناس إلى الشوارع في جميع أنحاء المنطقة للتخلص من حكّام استبداديين، لا يزال الإصرار المتعصب على التحكم في رغبات النساء وحياتهن الجنسية يقتل النساء والفتيات في مصر، وبُعيد سقوط حسني مبارك توقعتُ أن يشعل الاعتداء الجنسي للجيش على الناشطات والذي اتخذ شكل "فحوص العذرية" ثورةً نسويةً. خابت توقعاتي بفارق عشر سنوات لكن هذه الثورة تحدث الآن! فهناك انتفاضة تقودها النساء والكويريات/الكويريون ضد شكل من أشكال الاستبداد أكثر تعنتًا من الطغاة المقيمين في القصور الرئاسية: النظام الأبوي وقبضته الخانقة التي يحكمها على أجسادنا ورغباتنا وحياتنا الجنسية.
كتبتُ كتابي الحجاب وغشاء البكارة: لماذا يحتاج الشرق الأوسط إلى ثورة جنسية في عام 2015، وكتبتُ هذا المقال لأعلن أن الثورة الجنسية قد بدأت!
لن نجد متاريس الثورة الجنسية التي تحدث اليوم في الميادين التي ترددت فيها أصداء الهتافات قبل عشرة أعوام، لكننا سنجدها في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن للملايين الوصول إليها وهم في منزلهم، ذلك المكان الذي ينبثق منه كل الطغاة والذي يحتاج أكثر من غيره إلى ثورة.
تستهدف الراديكاليات/الراديكاليون الجنسيات/الجنسيون الخزي، والمحرّمات، والصمت، والكبت الجنسي من خلال حسابات ناطقة بالعربية غير مسبوقة في جرأتها؛ فلا يوجد شيء محظور الحديث عنه – رعشات النشوة (الأورجازم)، والاستمناء، والجنس الشرجي، والإجهاض، والكويرية، وكيف تطلبين/تطلب ما تريدينه/تريده من الشريك الجنسي، والموافقة الرضائية.
كانت القوة التي شعر بها الشباب بفضل استخدامهم منصة "فيسبوك" لقول: "لوجودي قيمة" أثناء احتجاجاتهن/م على اضطهاد الدولة لهن/م أحد العوامل المحفزة لثورة 2011، واليوم تقول النساء والكويريات/الكويريون: "لوجودي قيمة" بإعلان سهل ممتنع هو "أنا أمتلك جسدي" مع اعتراضهن/م على ما أسميه ثلاثية النظام الأبوي: الدولة والشارع والمنزل.
تواجه الراديكاليات/الراديكاليون الجنسيات/الجنسيون الخزي والصمت اللذين هما دعامتيّ النظام الأبوي بعد أن ضقن/ضاقوا ذرعًا بالنفاق والكبت الجنسي، وكأنهن/م يلقين/ون قنابل مولوتوف على الديكتاتوريات التي تعشش في أذهاننا في نشوة مندفعة لا زلن/زالوا يشعرن/يشعرون بها تأثرًا بالثورة التي أطلق فيها الملايين صيحة "كفاية!" جماعية.
منشور شاركته صفحة "MOTHER BEING" (@thisismotherbeing)
تتخذ الحسابات الثورية على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر أشكالًا عدة؛ فعلى سبيل المثال، أصبح حساب "Assault Police" الذي أسسته نادين أشرف البالغة من العمر اثنين وعشرين عامًا في شهر تموز/يوليو 2020 منصةً للمئات من الناجيات للإفصاح علنًا عن العنف الجنسي الذي يتعرضن له في المنزل والعمل والدوائر الاجتماعية، وقد ساعد هذا الحساب الذي يتابعه أكثر من 350,000 متابع/ة في تحطيم المحرّمات التي تحيط بالعنف الجنسي والكشف عن المتحرشين والمعتدين الجنسيين.
هناك حسابات أخرى تستهدف القضاء على الخزي والصمت اللذين يكبتان الرغبة واللذة، ومنها حساب أخصائية الثقافة الجنسية نور إمام "Mother Being" الذي يتابعه أكثر من 305,000 متابع/ة، وحساب ياسمين مدكور "The Somatic Therapist" الذي يتابعه 40,000 متابع/ة تقريبًا، وغيرهما الكثير من الحسابات الناطقة بالعربية بعضها في مصر وبعضها خارجها وبعضها مجهول هوية صاحباتها وبعضها معروفة هوياتهن، ومن الثوري ومن غير المسبوق في مصر التي تتعرض فيها 87% من الفتيات لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) بهدف التحكم في جنسانيتهن وينعدم التثقيف الجنسي في معظم المدارس تبادل المعرفة بطرق إيجابية جنسيًا.
تشير فاطمة إبراهيم، وهي باحثة نسوية ومرشحة لنيل درجة الدكتوراه مقيمة في المملكة المتحدة، إلى قيامها بتأسيس صفحة "بالعربي_The Sex Talk" بعد "محاولة التعرف على جسدي وجنسانيتي وفهمهما وحصولي على استقلاليتي والنضال من أجل نيل الوكالة عليهما ثم إدراكي أنه ينبغي لكل امرأة نيل هذه الاستقلالية وهذه الوكالة أيضًا".
حاولت فاطمة العثور على منصات على الإنترنت تلبي احتياجات النساء الناطقات بالعربية لكنها لم تعثر إلا على محتوى محافظ للغاية يركز على الصحة الإنجابية أو إرضاء الرجال.
تتابع فاطمة قائلةً: "لا يركز أي منها على احتياجات النساء وتجاربهن وليس من بينها ما يتبع منظورًا نسويًا، كما يستخدم المحتوى المتاح لغة معقدة لا يمكن للجميع فهمها، لذا قررتُ أن عليّ إنشاء ذلك المحتوى البديل الذي كنت آمل العثور عليه".
وتضيف: "أصبحت حيوات النساء الجنسية كابوسًا لأي امرأة تعيش في مصر والعديد من البلدان العربية الأخرى في ظل مجتمعات شديدة الكراهية للنساء؛ فلا تتوفر لهن أي لذة أو حماية أو موافقة أو دعم!".
منشور شاركته صفحة "بالعربي_The Sex Talk" (@the_sextalk)
استلهمتا مؤسستا صفحة "موج"، وهما ليستا من مصر وتفضلان عدم الكشف عن هويتهما، تأسيسهما للصفحة أيضًا من "الحاجة المباشرة إلى المزيد من التثقيف والمعلومات والحوار والقبول".
تقول إحداهما: "نحن مراقبون عند كل علامة فارقة من علامات أنوثتنا ونُدفَع إلى الشعور بأن أجسادنا مصدر للخزي والذنب، أو منطقة محظورة، أو أنها ليست لنا وحدنا، وقد سئمنا من الخزي والوصم والمعلومات الخاطئة المحيطة بأجسادنا، ولهذا قررنا تغيير الطريقة التي نتعرف بها على أنفسنا ونتحدث عنها".
قررتا إنشاء صفحة "موج"، وهي أول منصة من نوعها للرفاه الجنسي والإنجابي تؤسسها نساء عربيات من أجل النساء العربيات، وعنها تقولان: "تشكّل "موج" التثقيف الذي لم نحصل عليه أبدًا، لكنها دعوة أيضًا إلى العودة إلى أجسادنا ومعانقة أنفسنا، وأصبحت المنصة التي كنا نأمل فيها تحديدًا بفضل كل هؤلاء النساء الرائعات والشجاعات اللاتي انضممن إلينا في رحلتنا: موجة من النساء يجتمعن معًا لتغيير التيار".
منشور شاركته صفحة "موج" @mauj.me
أسست شروق العطار (هي/هم/هن)، وهي مهندسة مصرية كويرية طلبت اللجوء إلى المملكة المتحدة، صفحة "Dancing Queer" لدعم المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والعابرين/العابرات جنسيًا+ (مجتمع الميم عين)، بما في ذلك من خلال برنامجها الحواري "الكنبة" الذي يبث على "إنستغرام لايف".
وعن هذا تقول: "أسست الصفحة لأنني لم أجد حولي الكثير من الأشياء الإيجابية – إن كان هناك شيء على الإطلاق – باللغة العربية عن مجتمع الميم عين وشعرت بأن لديّ هذه المنصة وامتياز أن أكون قادرة على التحدث عن هذه الأشياء في أمان"، ومن بين الضيوف الذين استضافتهم شروق الناشطة المصرية داليا الفغال والناشطين العابرين جنسيًا ملك الكاشف ونور هشام سليم.
تتابع شروق قائلةً: "كان من الصعب حقًا العثور على أي شيء باللغة العربية لا يتحدث عن أن "مصيرنا جهنم وبئس المصير" أو أننا "من قوم لوط/لوطيون" وكل هذه الأشياء، ومن الخرائي ألا أستطيع استخدام لغتي الأم، أو ألا أجيدها، أو ألا أكون مرتاحة في التحدث بها لأن كل ما يُكتَب عني بها يتسم بالقسوة".
منشور شاركته شروق العطار/Dancing Queer @dancingqueerofficial
تصبح المهمشات/المهمشون الأكثر تعرضًا للأذى عندما يُحاط الجنس والجنسانية بالصمت والمحرّمات، وتحرص ثلاثية النظام الأبوي على أن تكون النساء والكويريات/الكويريون الأكثر تهميشًا جنسيًا، وهذا هو الحال سواء في ظل الحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين والحكومات المدنية اسميًا؛ فقد نفذ النظام الحالي أعنف حملة ضد مجتمع الميم عين في تاريخ مصر الحديث؛ فالتنافس على التفوق في "سياسيات الاحترام" يجمع الأنظمة العسكرية والمتعصبين الدينيين على حد سواء؛ فكلاهما يرى دوره ليس كحُماةٍ للأمن الوطني فحسب بل كأوصياء على أجساد النساء والكويريات/الكويريين وجنسانيتهن/م.
لن نجد متاريس الثورة الجنسية التي تحدث اليوم في الميادين التي ترددت فيها أصداء الهتافات قبل عشرة أعوام، لكننا سنجدها في حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن للملايين الوصول إليها وهم في منزلهم، ذلك المكان الذي ينبثق منه كل الطغاة والذي يحتاج أكثر من غيره إلى ثورة.
وفي هذا السياق، من الثوري أن تعلن هذه المجموعات عن امتلاكهن/م لأجسادهن/م وجنسانيتهن/م، وتتخذ أسلحة ثورتهن/م ضد ثلاثة النظام الأبوي أشكالًا عدة، لكن عندما تكون الموافقة الرضائية والوكالة واللذة في قلب النضال، تكون الألعاب الجنسية أحد الأسلحة، بل سلاح وبيان مانفيستو.
بعد عقود من قيام الراحلة نوال السعداوي بربط تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) بهدف السيطرة على رغبات الإناث وحياتهن الجنسية في كتابها "المرأة والجنس"، والذي تعرض للمنع لما يقرب من عقدين قبل السماح بنشره في عام 1972، لا تربط خليفاتها على مواقع التواصل الاجتماعي هذين الأمرين معًا فحسب بل يشرحن كيف أنه لا يزال بإمكان النساء اللاتي تعرضن له الاستمتاع بحميمية الجنس، هذا فضلًا عن إطلاق منصة "موج" لـ "دِيم"، أول لعبة جنسية على الإطلاق تصنعها نساء عربيات من أجل النساء العربيات.
وعنها تقول مؤسستا "موج": "صممنا 'دِيم' من أجل اللذة واستكشاف الذات، وهي وسيلة للتعرف على أجسادنا والتواصل معها بالطريقة التي نحب وبالكيفية التي نحب وتعلم إيصال ذلك إلى شركائنا".
منشور شاركته صفحة "موج" (@mauj.me)
وإذا كانت الهواتف النقالة والذكية قد أعطت العالم فرصة متابعة الثورة في ميدان التحرير عن كثب مع كل تغريدة، فإن "دِيم" – التي يتم توصيلها في عبوة مغلفة تصفها بأنها جهاز تدليك – تنقل الثورة الجنسية إلى المنزل مع كل نشوة تشعر بها النساء.
وقد آن أوان ذلك!
ترجمة هبة مصطفى
منى الطحاوي كاتبة نسوية ومُعلّقة ومخرّبة للنظام الأبوي. يستهدف كتابها الأول الحجاب وغشاء البكارة: لماذا يحتاج الشرق الأوسط إلى ثورة جنسية (2015) النظام الأبوي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بينما ينقل كتابها الثاني الخطايا السبعة الضرورية للنساء والفتيات (2019) تخريبها للنظام الأبوي للعالم بأسره، وهو متاح الآن في إيرلندا والمملكة المتحدة. وقد نُشرَت تعليقاتها وآراؤها في الكثير من وسائل الإعلام حول العالم، كما أنها تصدر مقالات فيديو وتكتب رسائل إخبارية بعنوان "العملاقة النسوية" FEMINIST GIANT.
ستبقى رسائل "العملاقة النسوية" الإخبارية مجانية دائمًا لأنني أريدها أن تكون متاحة للجميع، لكن إذا قررتن/م اختيار الاشتراك المدفوع فأشكركن/م على ذلك! وممتنة لدعمكن/م! وإذا أعجبكن/م مقالي هذا وأردتن/م دعم كتاباتي بصورة أكبر، فيمكنكن/م الإعجاب/التعليق أدناه ومشاركته مع الآخرين والاشتراك باشتراك مدفوع – إذا لم تكنّ/تكونوا قد قمتن/م بذلك بالفعل – أو إهداء الاشتراك لشخص آخر اليوم.