Reuters
English version of Why Do They Hate Us
This essay first appeared in Foreign Policy on April 23, 2012
ترجمة هبة مصطفى
تسرد الكاتبة المصرية الراحلة والتي طوتها يد الإهمال أليفة رفعت في قصتها "بعيداً عن المئذنة" حكاية امرأة لا تحرك فيها ممارسة الجنس مع زوجها ساكناً لدرجة أنها، بينما يركز هو على متعته فحسب، تلحظ وجود شبكة عنكبوت ترى أنه يتعين عليها مسحها من السقف وتفكر في رفض زوجها المتكرر لإطالة مدة الجماع حتى تصل إلى نشوتها هي أيضاً "كما لو كان يتعمد حرمانها"، وكما يحرمها زوجها من نشوتها يقطع صوت الآذان نشوته هو فينهض من فوقها ويخلد إلى النوم، وبعد أن تغتسل تهيم في صلاتها – الأكثر إرضاءً لها لدرجة أنها لا تطيق الانتظار حتى تؤدي الصلاة التالية – وتنظر إلى الشارع من شرفتها، ثم تقطع حلم يقظتها هذا لتُعد في إخلاص القهوة لزوجها ليرشفها بعد قيلولته، لكنها عندما تأخذها إلى غرفة نومهما لتصبها أمامه كما يحبذ تجد أنه قد فارق الحياة فتطلب من ابنها أن يذهب ويحضر طبيباً، أما هي فقد "عادت إلى الصالة وصبّت القهوة لنفسها مندهشة من مدى هدوئها".
ترسم أليفة رفعت في ثلاث صفحات ونصف ثلاثية من الجنس، والموت، والدين لتكون بمثابة جرافةً تسحق في طريقها الإنكار والدفاعية لتصل إلى القلب النابض لكراهية النساء في الشرق الأوسط، وليست ثمة مواراة للأمور، فهم لا يكرهوننا بسبب حرياتنا – كما كانت ترى الصورة النمطية الأمريكية المبتذلة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول – فليس لدينا حريات لأنهم يكرهوننا، كما تقول هذه المرأة العربية بقوة.
نعم، إنهم يكرهوننا ولابد من قول ذلك.
قد يتساءل البعض عن سبب تطرقي لهذا الأمر الآن في وقت انتفضت في المنطقة مدفوعةً ليس بالكراهية المعتادة لأمريكا وإسرائيل بل بمطلب مشترك من أجل الحرية، أفلا يجب أن يحصل الجميع على حقوقهم الأساسية أولاً قبل أن تطالب النساء بمعاملة خاصة؟! وما علاقة النوع الاجتماعي، أو الجنس، بالربيع العربي؟ لكني لا أتحدث عن الجنس المخبأ في الزوايا المظلمة وغرف النوم المغلقة؛ فلابد من تدمير منظومة سياسية واقتصادية كاملة تعامل نصف البشرية مثل الحيوانات مع أنظمة الطغيان الأخرى الأكثر وضوحاً التي تحرم المنطقة من مستقبلها، وحتى يتحول الغضب الموجّه إلى الطغاة في قصورنا الرئاسية إلى الطغاة في شوارعنا وفي منازلنا فإن ثورتنا لم تبدأ بعد.
"عندما تنص أحد المواد في قانون العقوبات المصري على أنه إذا تعرضت امرأة للضرب على يد زوجها "بنية حسنة" فلا يمكن لها الحصول على تعويض عن الضرر فلتذهب الصوابية السياسية إلى الجحيم".
نعم، تعاني النساء حول العالم من المشكلات، ونعم، لا يزال يتعين على الولايات المتحدة انتخاب امرأة رئيساً، ونعم، لا يزال تشييء النساء مستمراً في العديد من البلدان "الغربية" (التي أعيش في واحدة منها)، وهنا ينتهي الحديث عادةً عندما تحاول/ين مناقشة أسباب كراهية المجتمعات العربية للنساء.
لكن، لننحِ جانباً ما تفعله أو لا تفعله الولايات المتحدة بالنساء، واذكرن/وا لي اسم بلد عربي واحد وسأذكر سلسلة من الانتهاكات التي يغذيها مزيج سام من الثقافة والدين يبدو أن القلة فحسب مستعدين لفك تشابكه أو قادرين على فعل ذلك مخافة التجديف على الله والإساءة؛ فعندما يكون أكثر من 90 بالمائة من النساء اللاتي سبق لهن الزواج في مصر – بمن فيهن أمي وشقيقاتها الستة جميعهن عدا واحدة – قد تعرضن لقطع أعضائهن التناسلية باسم العفّة فلا بد لنا جميعاً أن نجدّف، وعندما تخضع النساء المصريات لـ "كشوف العذرية" المهينة لمجرد رفع صوتهن، فلا وقت للصمت، وعندما تنص أحد المواد في قانون العقوبات المصري على أنه إذا تعرضت امرأة للضرب على يد زوجها "بنية حسنة" فلا يمكن لها الحصول على تعويض عن الضرر فلتذهب الصوابية السياسية إلى الجحيم، وما هي، خبّروني، "النية الحسنة"؟ يُعتبَر قانوناً أنها تشمل أي ضرب "غير مبرح" أو "موجّه إلى الوجه"، وما يعنيه هذا كله هو أنه عندما يتعلق الأمر بوضع المرأة في الشرق الأوسط فهو ليس أفضل مما تعتقدن/تعتقدون، بل هو أسوأ كثيراً؛ فحتى بعد هذه "الثورات" كل شيء يُعتبَر على ما يرام بشكل أو بآخر طالما أن النساء يتغطين، ويبقين في المنزل، ويُحرَمن من التنقل البسيط باستقلال سياراتهن، ويُجبرن على الحصول على إذن للسفر، ولا يستطعن الزواج – أو حتى الطلاق – دون مباركة ولي أمر ذكر.
لا يوجد بلد عربي واحد في قائمة أفضل 100 بلد في التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، مما يضع المنطقة ككل في قاع الكوكب، وسواء كانت بلداننا هذه غنية أم فقيرة فإنها جميعها تكره النساء، فالجارتان اليمن والسعودية، على سبيل المثال، قد تكونان مختلفتين تماماً فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي لكن يفصل بينهما أربعة بلدان فحسب على هذا المؤشر؛ حيث تحتل المملكة المرتبة 131 بينما تحتل اليمن المرتبة 135 من بين 135 بلداً، ويحتل المغرب الذي غالباً ما يتم الحديث عن مدونة (قانون) الأسرة "التقدمي" فيه (وصفه "خبراء" أوروبيون في تقرير صادر في عام 2005 بأنه "مثال يُحتذَى به للبلدان الإسلامية الساعية إلى الاندماج في المجتمع المعاصر") المرتبة 129، ووفقاً لوزارة العدل المغربية، بلغ عدد الفتيات اللاتي تزوجن قبل سن الثامنة عشرة 41,098 فتاة في عام 2010.
يسهل علينا أن نرى لمَ تحتل اليمن أدنى مرتبة على القائمة فخمسة وخمسون بالمائة من النساء أميات و79 بالمائة منهن لا يشاركن في القوى العاملة ولا يوجد سوى امرأة واحدة فحسب في البرلمان من أصل 301 عضواً، وليس للتقارير الإخبارية المروعة حول وفاة فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً أثناء الولادة أثر يُذكَر في وقف تيار زواج القاصرات هناك، وبدلاً من ذلك تفوق التظاهرات الداعمة لزواج القاصرات تلك المناهضة له مدفوعةً بتصريحات رجال الدين بأن المناهضين للاعتداء الجنسي على الأطفال الذي تجيزه الدولة مرتدون لأن النبي محمد، وفقاً لهم، قد تزوج زوجته الثانية عائشة وهي طفلة.
لكن على الأقل يمكن للنساء اليمنيات القيادة، وإن كان هذا الأمر لم ينه مشكلاتهن بالطبع، فإنه يرمز إلى الحرية، ولا تتردد أصداء هذه الرمزية في أي مكان أكثر مما تتردد في المملكة العربية السعودية حيث يُمارَس زواج القاصرات أيضاً وحيث النساء قاصرات على الدوام بغض النظر عن عمرهن أو تعليمهن، ويفوق عدد النساء السعوديات عدد نظرائهن الذكور في الجامعات بيد أنه يؤول بهن الحال إلى أن يجدن رجالاً أقل منهن كفاءة يتحكمون في كل جانب من جوانب حياتهن.
نعم، المملكة العربية السعودية، ذلك البلد الذي حُكِم فيه على ناجية من الاغتصاب الجماعي بالسجن لموافقتها على استقلال سيارة ذكر من غير أقاربها ولم ينقذها من السجن سوى عفو ملكي، والذي حُكِم فيه بعشر جلدات على امرأة خرقت الحظر المفروض على قيادة النساء ولم ينقذها هي أيضاً إلا عفو ملكي، والذي لا تزال فيه النساء غير قادرات عن التصويت أو خوض الانتخابات لكنه يُعتبَر "تقدمياً" لصدور مرسوم ملكي وعد بمنحهن حق الاقتراع في انتخابات محلية رمزية بالكامل تقريبًا في عام 2015، والوضع سيء في المملكة إلى حد الترحيب بتلك الربتات الصغيرة على ظهورهن ببهجة وسعادة والإشادة بالملك الذي يقف ورائها – الملك عبد الله – باعتباره "مُصلحاً" حتى من جانب من لا ينبغي لهم الانخداع بمثل هذه الأمور، مثل جريدة النيوزويك، التي اختارت الملك واحداً من أحد عشر قائداً من قادة العالم الأكثر احتراماً. أتردن/أتريدون معرفة مدى سوء هذا الأمر؟ كان رد "المُصلح" على الثورات التي تندلع في جميع أنحاء المنطقة هو تخدير شعبه بالمزيد من المنح الحكومية – خاصةً للسلفيين المتعصبين الذين تستمد العائلة المالكة السعودية شرعيتها منهم. الملك عبد الله رجل يبلغ من العمر 87 عاماً وانتظرن/وا فحسب حتى ترين/ترون الرجل الذي سيخلفه، الأمير نايف، وهو رجل يتسم بعقلية من العصور الوسطى لدرجة أن كراهيته للنساء وتعصبه يجعلان الملك عبد الله يبدو نسوياً عتيداً.
"عندما يكون أكثر من 90 بالمائة من النساء اللاتي سبق لهن الزواج في مصر – بمن فيهن أمي وشقيقاتها الستة جميعهن عدا واحدة – قد تعرضن لقطع أعضائهن التناسلية باسم العفّة فلا بد لنا جميعاً أن نجدّف".
لماذا يكرهوننا إذاً؟ يفسر الجنس، أو بدقة أكبر غشاء البكارة، الكثير.
صرّحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مؤخراً قائلة: "لا تزال الأسباب التي تدفع المتطرفين إلى التركيز على النساء لغزاَ بالنسبة لي، لكن يبدو أنهم جميعهم يفعلون ذلك. لا يهم البلد الذي ينتمون إليه أو الدين الذي يدّعون، يريدون جميعهم السيطرة على النساء" (ومع هذا تمثل كلينتون إدارة تدعم علانيةً العديد من هؤلاء الطغاة الكارهين للنساء)، وغالباً ما تنبع محاولات السيطرة التي تقوم بها هذه الأنظمة من الشك في أن النساء دونها ستكن في حالة أقرب إلى النهم الجنسي. لننظر إلى يوسف القرضاوي، رجل الدين المحافظ الشهير الذي يستضيف أحد البرامج التي تُعرَض على قناة الجزيرة منذ مدة طويلة والذي أبدى انحيازاً مذهلاً لثورات الربيع العربي – وإن لم يكن هذا إلا عند اندلاعها – مدركاً بلا شك أنها ستقضي على الطغاة الذين طالما عذبوه واضطهدوه هو وجماعة الإخوان المسلمون التي ينبثق عنها.
يمكنني ذكر مجموعة من المعاتيه المهووسين بنموذج المرأة المغوية النهمة جنسياً لكني سأتحدث عن القرضاوي الذي يجذب جمهوراً كبيراً على القنوات الفضائية وخارجها، وعلى الرغم من أنه يقول إن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (الذي يدعوه "طهارة"، وهو تعبير تلطيفي شائع يحاول وضع الممارسة على قدم المساواة مع طهارة الذكور) غير "واجب" لكننا سنجد هذه الملاحظة الثمينة أيضاً في أحد كتبه "أنا شخصياً أؤيد ذلك في ظل الظروف الحالية في العالم المعاصر، وأي شخص يعتقد أن الطهارة هي أفضل طريقة لحماية بناته فعليه فعل ذلك"، مضيفاً "يذهب الرأي الوسطي إلى تأييد ممارسة الطهارة لتقليل الإغراء"، ولهذا حتى بين "الوسطيين" لابد من قطع الأعضاء التناسلية للفتيات لضمان القضاء على رغباتهن في مهدها، وقد أصدر القرضاوي منذ رأيه ذلك فتوى ضد تشويه الأعضاء التناسلية، لكن من غير المستغرب أنه عندما حظرت مصر هذه الممارسة في عام 2008، عارض بعض نواب الإخوان المسلمون القانون، ولا يزال يعارضه البعض، بمن فيهم النائبة البارزة عزة الجرف.
ومع هذا، فإن الرجال هم من لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم في الشوارع التي أصبح فيها التحرش الجنسي بمثابة وباء – من المغرب إلى اليمن – ولأجل الرجال يتم تشجيع الكثير من النساء على تغطية أنفسهن، وفي القاهرة توجد عربات مترو مخصصة للنساء فحسب لحمايتنا من لمس الرجال لأجسادنا ومما هو أسوأ من ذلك، وفي السعودية هناك عدد لا يُحصى من مراكز التسوق للعائلات فحسب والتي تمنع الرجال غير المتزوجين من الدخول ما لم تكن بصحبتهم امرأة.
"عندما تخضع النساء المصريات لـ "كشوف العذرية" المهينة لمجرد رفع صوتهن، فلا وقت للصمت".
كثيراً ما نسمع كيف أن الاقتصادات الفاشلة في الشرق الأوسط قد جعلت العديد من الرجال غير قادرين على الزواج، بل ويستخدم البعض هذه الحجة لتفسير ارتفاع مستويات التحرش الجنسي في الشوارع، وفي دراسة استقصائية أجراها المركز المصري لحقوق المرأة في عام 2008، أفاد 80 بالمائة من النساء المصريات بتعرضهن للتحرش الجنسي بينما أقر 60 بالمائة من الرجال بتحرشهم بالنساء، ومع هذا لا نسمع أبدا عن كيفية تأثير تأخر سن الزواج على النساء. هل لدى النساء دوافع جنسية أم لا؟ يبدو أن العرب لم يحسموا الإجابة عن هذا السؤال بعد.
تأملّن/وا ما فعلته أليفة رفعت ببراعة في قصتها من دمج لصوت الأذان وصرف الجسد عن رغباته من خلال الدين، فمثلما يخدّر رجال الدين المعينون من النظام الفقراء في جميع أنحاء المنطقة بوعود العدالة – والعذراوات المغريات – في الحياة الآخرة بدلاً من محاسبة الدكتاتوريين على فسادهم ومحسوبيتهم في هذه الحياة الدنيا، يتم إسكات النساء من خلال مزيج قاتل من الرجال الذين يكرهونهن بينما يدّعون باعتقاد راسخ أيضًا أن الله يقف إلى جانبهم.
أرجع إلى السعودية مرة أخرى، وهذا ليس لأني عندما انتقلت إليها عندما كنت في الخامسة عشرة أُصبَت بصدمة دفعتني دفعاً إلى النسوية، لكن لأن المملكة لا تخجل من عبادتها لإله كاره للنساء ولا تتحمل عواقب فعل ذلك، وهذا بفضل ميزة مزدوجة تتمتع بها تتمثل في امتلاكها للنفط وكونها موطن لأقدس مكانين في الإسلام: مكة والمدنية.
كان رجال الدين على شاشات التلفزيون السعودي آنذاك – ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي – كما هم الآن مهووسين بالنساء وفتحات أجسادهن، لا سيما ما يخرج منها. لن أنسى أبداً أنني سمعتُ أنه إذا تبول مولود ذكر عليكِ/كَ فيمكنكِ/كَ الصلاة في الملابس ذاتها لكن إذا تبولت عليكِ/كَ مولودة أنثى فإن عليكِ/كَ تغيير ملابسكِ/كَ، وقد تساءلتُ حينها عما هو الشيء الموجود في بول الفتيات ويجعلنا نجسات/ين.
الإجابة هي كراهية النساء.
إلى أي مدى تكره السعودية النساء؟ كثيراً إلى حد أدى إلى وفاة 15 فتاة في حريق اندلع في إحدى المدارس في مكة في عام 2002 بعد أن منعتهن "شرطة الأخلاق" من الهروب من المبنى المحترق – ومنعت رجال الإطفاء من إنقاذهن – لأن الفتيات لم يكن يرتدين الحجاب والعباءات الواجب عليهن ارتدائها في الأماكن العامة. لم يحدث شيء ولم يخضع أي شخص للمحاكمة وتم إسكات الآباء، وكان التسليم الوحيد بالرعب الذي قد حدث هو أن الأمير عبد الله ولي العهد آنذاك سحب المسؤولية عن تعليم الفتيات بهدوء من أيدي السلفيين المتعصبين الذين تمكنوا مع هذا من الاحتفاظ بقبضتهم القوية على نظام التعليم في المملكة إلى حد كبير.
ليس هذا الأمر، مع ذلك، بمجرد ظاهرة سعودية أو صفة غريبة كريهة في هذا البلد الصحراوي الغني المعزول فالكراهية الإسلامية للنساء تشتعل في جميع أنحاء المنطقة – الآن أكثر من أي وقت مضى.
في الكويت، تكالب الإسلاميون، الذين حاربوا لسنوات حق المرأة في التصويت، على النساء الأربعة اللاتي وصلن أخيراً إلى البرلمان مطالبين الاثنتين غير المحجبتين بارتداء الحجاب، وعندما حُل البرلمان الكويتي في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، طالب نائب إسلامي المجلس الجديد – الذي يخلو من النساء – بمناقشة قانونه المقترح بشأن "الملابس اللائقة".
وفي تونس، التي لطالما اُعتبرَت أقرب شيء إلى منارة للتسامح في المنطقة، أخذت النساء نفساً عميقاً الخريف الماضي بعد فوز حزب النهضة الإسلامي بأكبر حصة من الأصوات في الجمعية التأسيسية للبلاد، وقد تعهد قادة الحزب باحترام مجلة (قانون) الأحوال الشخصية التونسية لسنة 1956 التي تقر بـ "مبدأ المساواة بين النساء والرجال" بصفتهن/م مواطنات/مواطنين وتحظر تعدد الزوجات، بيد أن أساتذة الجامعات من النساء والطالبات الجامعيات قد اشتكين منذ ذلك الحين من اعتداءات الإسلاميين عليهن وترهيبهم لهن لعدم ارتدائهن للحجاب، هذا في الوقت الذي يتساءل فيه العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة عن الكيفية التي سيؤثر بها الحديث عن قانون إسلامي على القانون الفعلي الذي سيعشن في ظله في تونس ما بعد الثورة.
وفي ليبيا، أول شيء وعد بفعله مصطفى عبد الجليل رئيس الحكومة الانتقالية هو رفع القيود التي كان يفرضها الطاغية الليبي الراحل على تعدد الزوجات، وحتى لا تعتقدن/وا بأن القذافي كان نسوياً بأي صورة، تذكّرن/وا أنه كان يتم خلال فترة حكمه إيداع الفتيات والنساء الناجيات من الاعتداءات الجنسية أو اللاتي يُشتبَه في ارتكابهن "جرائم أخلاقية" في "مراكز لإعادة التأهيل الاجتماعي"، وهي سجون فعلية لا يمكنهن مغادرتها ما لم يوافق رجل على الزواج بهن أو تستعيدهن عائلاتهن.
ثم في مصر، حيث بعد أقل من شهر من تنحي مبارك عن السلطة، ذكّرنا المجلس العسكري الذي حل محله، بزعم "حماية الثورة"، عن غير قصد بالثورتين اللتين تحتاج إليهما النساء. اعتقل الجيش العشرات من الناشطين والناشطات بعد أن أخلى ميدان التحرير، ونحن نعلم أن الطغاة يضطهدون الجميع ويضربونهم ويعذبونهم، بيد أن هؤلاء الجنود قد خصصوا "اختبارات العذرية" للناشطات، وهي التي تشكل اغتصاباً متنكراً في زي طبيب يدخل أصابعه في فتحة المهبل بحثاً عن غشاء البكارة (تمت مقاضاة الطبيب لكنه بُرّأ في النهاية في شهر مارس/آذار).
أي أمل يمكن أن يحمله البرلمان المصري الجديد الذي يهيمن عليه رجال عالقون بفكرهم في القرن السابع للنساء؟ فربع هذه المقاعد البرلمانية يشغلها الأن السلفيون الذين يعتقدون بأن تقليد الطرق الأصلية للنبي محمد وصفة مناسبة للحياة الحديثة؛ ففي الخريف الماضي وضع حزب النور السلفي عند تقديمه للمرشحات زهرة بدلاً من وجه كل واحدة منهن، فلا يجب رؤية النساء أو سماع أصواتهن – حتى أصواتهن عورة – ولهذا نجدهن في البرلمان المصري متشحات بالسواد من الرأس إلى أخمص القدم ولا ينبسن ببنت شفة.
هذا ونحن في منتصف ثورة في مصر! ثورة فقدت فيها النساء أرواحهن وضُرِبَن وأُطلقَت عليهن النيران وتعرضن للاعتداء الجنسي أثناء مقاومتهن جنباً إلى جنب مع الرجال لتخليص بلدنا من ذلك الأبوي الأكبر – مبارك – لكن هناك الكثير من الأبويين الصغار الذي لا يزالون يضطهدوننا؛ فلا يعتقد الإخوان المسلمون الذين حصلوا على ما يقرب من نصف إجمالي المقاعد في برلماننا الثوري الجديد أن النساء (أو حتى الأقباط) يمكنهن أن يكن رؤساء للبلاد، وقد صرحت المرأة التي ترأس "لجنة النساء" في حزب الإخوان المسلمون السياسي مؤخراً بأنه لا ينبغي للنساء التظاهر أو الاحتجاج لأنه من "الأكرم" لهن أن يدعن أزواجهن وأشقائهن يتظاهرون بالنيابة عنهن.
"نعم، إنهم يكرهوننا ولابد من قول ذلك".
تضرب كراهية النساء بجذورها في المجتمع المصري؛ فقد اضطررن من شاركن منا في التظاهرات والاحتجاجات إلى شق طريقهن عبر حقل ألغام من الاعتداءات الجنسية التي يرتكبها النظام وأتباعه وأحياناً، للأسف، زملاؤنا الثوار؛ فقد تحرش بي رجل في ميدان التحرير نفسه في اليوم الذي تعرضتُ فيه للاعتداء الجنسي على يد أربعة على الأقل من رجال الأمن المركزي المصري في شارع محمد محمود بالقرب من ميدان التحرير في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وعلى الرغم من حرصنا على فضح الاعتداءات التي يرتكبها النظام فإننا نفترض على الفور عند تعرضنا لانتهاكات من جانب رفاقنا المدنيين أنهم بلطجية أو عملاء تابعين للنظام لأننا لا نريد أن نشوه سمعة الثورة.
ما الذي يجب فعله إذاً؟
أولاً، يجب أن نتوقف عن الادعاء، وأن نسمي الكراهية باسمها، وأن نقاوم النسبية الثقافية، وأن نعلم أنه حتى في البلدان التي تشهد ثورات وانتفاضات ستظل النساء أرخص سلعة. سيتم إخباركن/م بأنه من "ثقافتنا" و"ديننا" أن نفعل كذا أو كذا بالنساء، فافهمن/وا أن من قرر ذلك لم يكن يوماً امرأة، وربما تكون الانتفاضات العربية قد اندلعت على يد رجل عربي – محمد بوعزيزي، البائع التونسي المتجول الذي أضرم النار في نفسه بدافع من اليأس – لكن النساء العربيات هن من سينهونها.
أمينة الفيلالي – الفتاة المغربية البالغة من العمر ستة عشرة عاماً التي انتحرت بتناول السم بعد أن ضربها مغتصبها وأُجبِرَت على الزواج منه – هي بوعزيزي النساء والفتيات، وسلوى الحسيني أول امرأة مصرية ترفع صوتها بالحديث ضد "كشوف العذرية"، وسميرة إبراهيم أول امرأة ترفع قضية ضد كشوف العذرية، ورشا عبد الرحمن التي شهدت معها – كلهن بوعزيزي ويجب ألا ننتظر حتى يمتن ليصبحن مثله، ومنال الشريف التي قضت تسعة أيام في السجن لكسر الحظر الذي تفرضه بلادها على قيادة النساء هي بو عزيزي السعودية، وهي قوة ثورية تبحر وحدها ضد محيط من كراهية النساء.
لن تنجح ثوراتنا السياسية ما لم تكن مصحوبةً بثورات في الفكر – ثورات اجتماعية وجنسية وثقافية تطيح بجميع المستبدين الموجودين في عقولنا وفي غرف نومنا.
سألتني سميرة إبراهيم بُعيد ساعات قضيناها في السير معاً للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في القاهرة في الثامن من مارس/آذار: "أنتي عارفة ليه عملوا لنا اختبارات العذرية؟ عاوزين يسكتونا وعاوزين يرجعوا الستات البيوت، لكن احنا مش حنروح في حتة".
نحن أكثر من مجرد حجابنا وأغشية بكارتنا، فاستمعن/وا إلى أصوات من يقاومن من بيننا وأَعْلين/أَعْلوا أصوات المنطقة وانكزن/وا الكراهية في عينها. كان هناك وقت أن يكون فيه المرء إسلاميًا هو الموقف السياسي الأكثر ضعفًا في مصر وتونس، وافهمن/وا الآن أن النساء قد يكن في الموقف الأكثر ضعفاً، كما كان الحال معهن دائماً.
Mona Eltahawy is a feminist author, commentator and disruptor of patriarchy. She is editing an anthology on menopause called Bloody Hell! And Other Stories: Adventures in Menopause from Across the Personal and Political Spectrum. Her first book Headscarves and Hymens: Why the Middle East Needs a Sexual Revolution (2015) targeted patriarchy in the Middle East and North Africa and her second The Seven Necessary Sins For Women and Girls (2019) took her disruption worldwide. It is now available in Ireland and the UK. Her commentary has appeared in media around the world and she makes video essays and writes a newsletter as FEMINIST GIANT.
FEMINIST GIANT Newsletter will always be free because I want it to be accessible to all. If you choose a paid subscriptions - thank you! I appreciate your support. If you like this piece and you want to further support my writing, you can like/comment below, forward this article to others, get a paid subscription if you don’t already have one or send a gift subscription to someone else today.