مقال: رحل الأسد، لكن الثورة التي لا تحرر النساء ليست ثورة
ستتساءل النساء اللاتي يحتفلن بتدمير السجون والزنازين الآن لماذا لا يمكن أيضاً تفكيك القمع الذي يتعرضن له
أناس يحتفلون بسقوط نظام الأسد في حلب بسوريا في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024.
تصوير: سمير الدومي/وكالة فرانس برس/Getty Images
يمكن الآن للسوريين والسوريات، بعد ثلاثة عشر عاماً من انضمامهم/ن إلى الموجة الثورية التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن يقولوا إنهم/ن أودعوا كتب التاريخ اسم بشار الأسد ليلحق بحسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، لكن ما أظهرته هذه السنوات كلها في هذه البلدان هو أن التحرر يتطلب أكثر من مجرد إزاحة رجل واحد من القصر الرئاسي، وهذا ما ندركه نحن النساء أكثر من غيرنا.
اليوم، أفكر في رزان زيتونة، الثائرة السورية التي اختفت مع ثلاثة من رفاقها –يُعرفون جميعهم باسم «مخطوفو دومة الأربعة»– في الأراضي التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2013، أي قبل الإطاحة بالأسد بأحد عشر عاماً إلا يوماً.
استهدفت ثورتها الجميع على حد سواء: نظام الأسد، والفصائل المعارضة، والمسلحين الإسلاميين.
كتبت رزان في رسالة إلكترونية أرسلتها إلى صديقها وزميلها الناشط في مجال حقوق الإنسان نديم حوري في مايو/أيار 2013: «لم نقم بثورة ونفقد آلاف الأرواح حتى يأتي هؤلاء الوحوش ويكرروا التاريخ الظالم نفسه. يجب محاسبتهم تماماً مثل النظام»، فما الفائدة من استبدال ظالم بآخر؟
أجريتُ العديد من المقابلات بصفتي صحافية مع نساء من تونس، وسوريا، وليبيا، ومصر حول تجاربهن مع الانتفاضات الشعبية، وبالنسبة للنساء، لطالما كانت هناك ثورتان يجب القيام بهما: واحدة تقاومن فيها مع الرجال ضد الأنظمة التي تقمع الجميع والأخرى ضد الأنظمة الموجودة في زوايا الشوارع وفي غرف النوم، التي تشارك مع النظام الحاكم في قمع أي أحد ليس رجلاً متوافق الجنس وغيري الميول الجنسية، إنها وقفة محاسبة نقفها مع ثقافتنا وديننا ومع الحكام المستبدين والإسلاميين، هذين الوجهين لعملة الاستبداد ذاتها، ووقفة الحساب هذه نسوية بالأساس، وهي ما سيحررنا في النهاية.
ويجب أن تدفعنا جميعاً إلى ما هو أبعد من الغضب لأن الخيال الثوري يتوقف دائماً في أغلب الأحيان عند أعتاب المنزل؛ فكما ذكرت المناضلة الأناركية الإسبانية لولا إيتوربي في كتاباتها عام 1935 «يبدو أن كل هؤلاء الرفاق الذكور، مهما كانوا راديكاليين في المقاهي والنقابات وحتى المجموعات ذات الأهداف المشتركة، يخلعون أزياءهم التنكرية التي يظهرون بها كعشاق لتحرير الإناث على أعتاب منازلهم، وفي الداخل، يتصرفون مع زوجاتهم تماماً كأي أزواج عاديين».
أريد أن نطيح بالأسد ليس من القصر الرئاسي فحسب، بل من زاويا الشوارع وغرف النوم أيضاً، وأريد أن تسقط كل ثورة ليس تماثيل الطغاة فحسب، بل أيضاً ما أسميه ثلاثية النظام الأبوي: طاغية الدولة، والشارع، والمنزل، وأصعب ثورة بين الثورات هي تلك التي نقوم بها في المنزل، لأن الديكتاتوريين يسكنون جميع المنازل.
بقدر ما ينبغي لنا أن نشعر بالابتهاج لرؤية الديكتاتوريين يُطاح بهم، وبقدر ما نشعر بسعادة غامرة لرؤية تلك البلدان تسير، وإن كان في خطى متعثرة، نحو التحرر والعدالة، فإنني أدرك متألمةً أنه وإن كانت النساء قد وقفن عند الحواجز والمتاريس إلى جانب الرجال، فإنهن قد يفقدن الحقوق التي يتمتعن بها بالفعل بعد الثورة.
لا بد وأن النساء السوريات، اللاتي يحتفلن بتدمير السجون والزنازين التي احتجزت على مدى عقود آلافاً وآلافاً من المعارضين/ات السياسيين/ات، يتساءلن متى ستُدمّر سجون النظام الأبوي أيضاً.
كان من الرائع أن نخرج معاً في مسيرات وأن نخاطر بحياتنا في مواجهة النظام، ولكن ماذا يحدث بعد انتهاء الاحتجاجات؟ ما فائدة الثورة ضد الدولة عندما يظل المنزل المكان الأكثر خطورة بالنسبة للنساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في سوريا؟
لا بد وأن النساء السوريات، اللاتي يحتفلن بتدمير السجون والزنازين التي احتجزت على مدى عقود آلافاً وآلافاً من المعارضين/ات السياسيين/ات، يتساءلن متى ستُدمّر سجون النظام الأبوي أيضاً، ولا بد أن الفتيات اللاتي غُرس فيهن، مع أجيال من السوريين والسوريات، أفكار حول معصومية سلالة الأسد التي حكمت البلاد لمدة 53 عاماً، ثم شهدن انهيارها، يتساءلن لماذا لا يمكن تفكيك فكرتيّ «هذه ثقافتنا» أو «هذا ديننا» أو أي أعذار أخر تُساق لتحديد ما يجب أن يرتدينه، أو الحد من قدرتهن على التحرك بحرية، أو إجبارهن على الزواج المبكر.
أناس يحتفلون بسقوط نظام الأسد في حلب بسوريا في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024.
تصوير: أوزان كوسه/وكالة فرانس برس/ Getty Images
لا بد أن السوريين الكويريين/ات الذين يرون ما قيل لهم/ن دائماً أنه مستحيل الحدوث يصبح ممكناً يتساءلون لماذا لا يزال تحررهم/ن من كراهية المثلية الجنسية أو كراهية مغايري الهوية الجنسانية مستحيلاً.
هل هذه شطحات خيال؟ هل تركتُ الحرية تلعب برأسي؟ لا، هذا هو بالضبط ما يجب أن تفعله الحرية بعقولنا، لأنه لا يمكن كسب المعركة الدائرة حول أجساد النساء إلا بثورة العقل؛ فغالباً ما تتعرض النساء للوم والتوبيخ لتجرؤهن على إثارة سياسات الهوية، ويحثهن الجميع على تنحية قضايا النساء جانباً من أجل الهدف الأكبر المتمثل في التضامن مع الثورة أو الإخلاص لها، وهذا خطأ؛ فالآن تحديداً، حيث الفرصة متاحة لإعادة البناء، يجب أن نصر بشدة على تحرر الجميع، وعندما لا يكون هناك شيء مؤكد، يمكننا فعل أي شيء.
لكي تحررنا الثورة جميعاً، يجب أن نقوم بما أكثر من مجرد تغيير النظام، وأنا أريد ثورة أكثر طموحاً من ذلك بكثير ولها أهداف أكبر بكثير! ثورة تغير الناس أنفسهم/ن.
لطالما كانت الثورات تدور حول الرجال –ما يريدونه وكيف يحققونه– لأن النظام الأبوي يحدد الكلمات التي نستخدمها وطرق رؤيتنا للأشياء، وقوانين حقوق الإنسان ومعاجمها لا تعترف بأن عنف الشريك الحميم شكل من أشكال التعذيب، لأن ما يمكن أن تفعله الدولة بالرجال هو فقط ما يُؤخذ على محمل الجد، وما يفعله الرجال بالنساء يبقى مجرد «عنف منزلي».
بالمثل، نادراً ما تُعتبر الثورات ناجحة إلا إذا قال الرجال إنهم قد غيروا النظام، أي انتزعوا بعضاً من سلطة الدولة لأنفسهم، ويُقال لنا إن الثورة «الحقيقية»، تلك التي تسجلها وسائل الإعلام وكتب التاريخ، يقوم بها الرجال ضد الدولة من أجل الرجال، وإننا إن لم نغير النظام، فلن يتغير شيء.
عندما كنت أكتب كتابي الأول «الحجاب وغشاء البكارة: لماذا يحتاج الشرق الأوسط إلى ثورة جنسية»، كنت أسمع بعض الرجال يقولون إن «هذا ليس وقت النسوية» أو إن «الرجال ليسوا أحراراً أيضاً، فلمَ الحديث عن النساء فقط»، وكانوا يقولون هذا دون أن يقصدوا السخرية أو حتى دون ذرة فهم للأضرار التي يُلحقها النظام الأبوي بهم.
كان، ولا يزال، ردي دائماً هو: «صحيح أن الدولة تضطهدنا جميعاً، رجالاً ونساءً، لكن الدولة، والشارع، والمنزل يشاركون في اضطهاد النساء»، ووحدها الثورة ضد ثلاثية النظام الأبوي ستحررنا جميعنا.
الثورة الحقيقية هي الثورة ضد السلطة الأبوية، والمعركة الحقيقية هي المعركة بين النساء والفتيات وهذه السلطة، وحتى يتوجه الغضب من الطغاة في القصور الرئاسية نحو الطغاة في شوارعنا وبيوتنا، وحتى نسقط الطاغية الموجود في عقولنا، وفي غرف نومنا، وفي زوايا شوارعنا، فإن ثورتنا لم تبدأ بعد.
ترجمة هبة مصطفى
منى الطحاوي كاتبة نسوية، ومُعلّقة، ومخرّبة للنظام الأبوي، وهي تعمل حالياً على تحرير كتاب «الجحيم الدموي: مغامرات مع انقطاع الطمث من جميع أنحاء العالم»، ويستهدف كتابها الأول «الحجاب وغشاء البكارة: لماذا يحتاج الشرق الأوسط إلى ثورة جنسية» (2015) النظام الأبوي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بينما ينقل كتابها الثاني «الخطايا السبعة الضرورية للنساء والفتيات» (2019) تخريبها للنظام الأبوي للعالم بأسره، وهو متاح الآن في إيرلندا والمملكة المتحدة، وقد نُشرت تعليقاتها وآراؤها في الكثير من وسائل الإعلام حول العالم، كما أنها تصدر مقالات فيديو وتكتب رسائل إخبارية بعنوان «العملاقة النسوية» (FEMINIST GIANT).
أنا ممتنة لدعمكن/م، وإذا أعجبكن/م مقالي هذا وأردتن/م دعم كتاباتي أكثر، فيمكنكن/م الإعجاب بالمقال أو التعليق عليه أدناه، أو مشاركته مع الآخرين، أو إرسال اشتراك هدية إلى شخص آخر اليوم.